حدثت بينه وبين النوم خصومة في فترة صعبة، كان مقيدًا فيها بالاستيقاظ المبكر للذهاب إلى العمل والحضور الصباحي، يضنيه السهر ليالي العمل، ويجفو أيام إجازته، ولم يجد بدًا من استعمال المنبه كل خمس دقائق من الساعة الخامسة فجرًا لعل وعسى أن تكف أذنه عن ادّعاء الصمم فيستيقظ، رغم أنه ينام أحيانًا في الساعة الثانية صباحًا أو الثالثة، لكنها رغبة التوفيق بين مزاجية الساعة البيولوجية، وطلبات مديره المبتسم في كل أحواله حتى حين يعتب..
استيقظ في تمام الخامسة والنصف في ذلك اليوم، هذا مما يغتبط به المدير حقًا، لا بد وأن يذهب للعمل قبل كل الحضور، ويضع اسمه منتشيًّا للتوقيع كأول موظف يلون ورقة التحضير باسمه وتوقيعه..
لوهلة فكر بينما يتجول في غرفة المعلمين ما الذي يفعله الموظف النشيط الذي يأتي أولًا كل صباح، بدأ يفكر كيف كان يملك بُعدًا في النظر في حضوره المتأخر خلال الأسبوعين الماضية، فقد نسي ما كان يقضي به أول ساعة قبل بداية الدوام الفعلي..
بدا له أن كل الآخرين علموا بحضوره المبكر فقرروا أن يقتصوا من كل يوم تأخر فيه مجبرًا، لكن الإيجابية الصباحية لن تتأثر بهذه الفكرة.. سيحضر لهم القهوة، وينال إعجابهم بأن يدلفوا وسط رائحتها الأخّاذة فيتساءل كل واحد منهم: من هذا الموظف الخارق الذي استطاع الحضور مبكرًا، ولم يكتفِ بذلك بل أمتعنا برائحة القهوة التي تُنير المزاج وتنعش الصباح، عندئذ سيكون مزهوًا بينما يخبرهم: القهوة جاهزة يا كسالى، أنا البكور، والصباح، والسعادة، والقهوة..
شمّ فجأة رائحة غريبة، ليرد عليها بفكرته الأخرى التي لا تقل جمالًا عن فكرة القهوة، سيشعل البخور في الغرفة لتكون هناك مفاجأتان جميلتان بانتظار المدير وزملائه، سيكون هذا عيد الموظف النشيط، الذي لن يجعل من انتصاره على ساعته البيولوجية شأنًا يخصه فقط، يجب أن يتغير العالم، وتتشكل بوصلته الجديدة بسبب هذا الحدث الهام.. هناك سيضع المبخرة.. حيث يندفع الدخان حسب اتجاه الريح حتى مدخل الغرفة، سيداهم بهذه الطريقة أنف من يدخل بشكل أسرع، سيأتي من هنا.. وتأتي رائحة القهوة من هناك، ويمتزج الاثنان ليشكلا ثنائي النشوة الجمالية والسبب؟ إنه هو.. قطعًا من يرى اسمه على دفتر الحضور أولًا سيعلم أن هذا الجمال لابد، وأن يكون منسوبًا لذلك الاسم..
أغلق باب الغرفة بهدوء بينما يستقبل أول الحضور من الطلاب مبتسمًا: أستاذ.. أنت هنا مبكرًا هذه المرة؟ يا للعجب، هؤلاء الأطفال لا يكفون عن تجربة الأدوات الحادة وارتكاب الحماقات بينما يوفرون حس الملاحظة، والتركيز على حضوري وانصرافي.. يا لهم من أطفال!
انسل خارجًا بينما يقرر آخر ابتكار لهدية الاستيقاظ المبكر، سيمشي في الهواء الطلق، ليدثر جسده بفيتامين (d)، سيكون ذلك إيذانًا لصحته بأن تزداد توهجًا؛ فيصبح الاستيقاظ المبكر سمته الدائمة، وطبيعته التي لا يستطيع تغييرها..
مشى لمدة قصيرة تكفي لبداية الدوام الرسمي، ليعود للدخول إلى المدرسة بينما يفاجئ بزميله في العمل عند الباب يقول: هل أنت من حضر القهوة؟ فابتسم ابتسامة التعالي والخيلاء: ومن غيري؟ ليرد متجهمًا: هذا ما أخبرتهم به، لا أحد سواك يفعلها.. ذابت ابتسامته بينما يلحظ الدخان المتصاعد من غرفة المعلمين.. هذا ليس دخان البخور الذي وضعه.. حينها بادرت أذنه؛ لتخبره أن هناك جلبة بين المعلمين؛ وكأنهم..يطفئون حريقًا.!
التعليقات 3
An
17/02/2021 في 11:11 م[3] رابط التعليق
كلماتك وأسلوبك شيق ومميز وله رونق خاص فيك ❤️
AA
17/02/2021 في 11:27 م[3] رابط التعليق
اسلوبك الكتابي مبدع
Ameen Mahfouz
18/02/2021 في 2:47 ص[3] رابط التعليق
يا قهوة ما تمت 😭😭
ابدعت ❤️❤️