دَخَلَ المقبرة وهُوَ يَخطُو بتثاقل ..
كان كمن يمشي على أرضٍ مغناطيسية
متأبطاً تحتَ ذراعه اليُمنى ذكرياته السحيقة،
وتحت ذراعه اليُسرى عَرَقُ شَمْس الظهيرة.
لاحَت أمامهُ لوحةٌ زرقاءٌ كبيرة
كُتِبَ عليها دُعَاء لِزوّار القبور..
لم يشعر بحاجة لِأن يقرأه، أستكملَ مَسيِره..
تقدم صوب أرضٍ صفراء مليئة بالشواهد !
أطلقَ تنهيده، أطلقَ لشهيقهُ زفيرة
أطلَقَ حروفه الحبيسة :-
آملين في حبيباً لنا يقطن قباب السماء
يرحم أرواحاً فقدناها عانقَت نجوم الفضاء
حلمنا بلقياهم فتلحفنا الليل شوقاً وبكاء
هجرونا...دون ذكر تلاقي وموعدِ لقاء
ما بينَ شمسِ صيفٍ حارقةٍ وزمهرير شتاء
عند قبورهم اتخذنا منازل للتضرع والترحم والرجاء
بِئسَ شقاقهم، كروحٍ خَرَجت من فتحة الإبرةِ بعناء
يا من سَكَنت أجسادهم أراضينا الصفراء
حدثونا أو أرفقوا مضاميركم بيمامةٍ بيضاء
مِتْنَا شوقًا فهل شعرتم مانشعر بهِ من شقاء ؟
ثُمّ تقدم صوب قبرٍ مكسوٍ بأحجارٌ خضراء
أخذَ قطعة طوبً لِيُرخي عليها جذعه،
أخذَ يمسح التربة من على شاهد القبر بيّده الشهباء :-
يا فاطِِمَتي
مازلتُ أبكيكِ رغم مغيبكِ مِن سنين
يا فاطِمَتي
مازلتُ طفلًا يأبى عن حليب حُبِكِ أن يكونَ فطين
يا فاطِمَتي
تركتِني مُلقى بهذه الحياة كالجسد الذي .. أجهضتِيهِ وهُوَ جنين
وما الحياة يا فاطِمَتي إلا ..
دهاليزٌ ضيقةٌ قابضةٌ على الأنفس تُفضي إلى ذكرياتُ الحنين
أعلم بِأنَ مُستقرّكِ جنة الخُلد وأنا على ذلك بيقين
لا أستعظم على الله شيئاً.. فكُلَ شيءٍ عليهُ يهين
ولكنّي أشتاقُكِ...
وأشتاقُ ليدين، ماسحةً لِكَدَرٍ يعتلي هذا الجبين....