(مكة) – حوار عبدالرحمن عبدالقادر الأحمدي
تواصل صحيفة مكة الإلكترونية لقاءاتها الرمضانية ، والإلتقاء بعدد من الشخصيات المجتمعية الفاعلة لنستعيد معهم ذكريات الماضي وبداياتهم العملية في تلك الحقبة الزمنية الهامة .
ضيفنا اليوم مدير عام مشروع قطار الحرمين، الدكتور م. بسام بن أحمد غلمان نتعرف على بعض الجوانب من حياته العملية.
– في البدء نتعرف على ابن مكة المكرمة.
دكتور مهندس. بسام بن أحمد غلمان ، أستاذ هندسة التشييد و إدارة العقود والمشاريع. مدير عام مشروع قطار الحرمين السريع ، مهندس مستشار و نائب رئيس الهيئة السعودية للمهندسين. عضو الهيئة الاستشارية للتنمية بأمارة منطقة مكة المكرمة. عضو مجلس إدارة البرنامج الوطني لدعم إدارة المشروعات في الجهات العامة ورئيس المراجعة الداخلية.
– في أي حارة كانت نشأتكم ؟
ولدت و نشأت في حارو أجياد ( برحة الطفران ).
-أين تلقيتم تعليمكم؟
درست المرحلة الابتدائية في مدرسة عبدالرحمن بن عوف في أجياد السد ، ثم أكملت المرحلة المتوسطة و الثانوية في مدرسة الملك فيصل بحي أم الجود .
-ماذا بقي في الذاكرة من أحداث عشتم معها عراقة الحارة.. دكتور بسام ؟
الكثير من الأحداث عشناها في الحارة ، على الصعيد الأسري و الاجتماعي ، شعرنا بالتماسك الأسري، ودفء العلاقات الأسرية، والتواصل الدائم مع الكبير و الصغير في الأسرة ، فكان بيت العائلة الكبير يضم الجميع، فكان لنا طابق في منزل العائلة الكبير، و كل عم يقطن في طابق، و الدار بطوابقه المختلفه مفتوح للجميع و على مدار الساعة، فالكل يوجه و يربي و يعلم و يرعى. وعلى الصعيد الاجتماعي .. فكانت الحارة هي البيت الكبير للجميع ، و كان كل فترة في السنة لها طقوسها، وأجواءها الخاصة ، فرمضان يمتاز بالأجواء الروحانية و البرامج الرمضانية المسائية،والألعاب الشعبية المؤقتة..برسومها الرمزية. و موسم الحج تكتسي فيه الحارة بمعالم، و مظاهر لها دلالات بقدوم الحج، وتهيئة المنازل و المحال؛ لإقامة الحجاج وخدمتهم، وهكذا ..تمر المواسم و تظهر فيها معالم ودلالات عليها .
-في مرحلة الطفولة العديد من التطلعات المستقبلية.. ماذا كنتم تأملون حينها ؟
من أيام طفولتي الأولى كنت أحلم، و أطمح في أن أكون مهندساً..، وأكرمني الله بتحقيق ذلك الحلم .
-تربية الأبناء في السابق بنيت على قواعد صلبة ومتينة..ماهي الأصول المتعارف عليها في ذلك الوقت ؟
أرى شخصياً أن تربية الأبناء هي أصعب المهام التي يؤديها الانسان و يقوم بها . وأرى شخصياً أن تلك المهمة كانت أسهل كثيراً في السابق حيث كان الجميع يشارك فيها!.. الأب و الأم و العم و العمة و الخال و الخالة، و حتى الجار و كبار الحارة.. كلاً يرعى الأبناء و يوجههم . أما الآن فقد طغت المدنية على الحياة و تفاصيلها.. ، و استقلت الاسر في منازل منفصلة متباعدة،و زادت المغريات و كثرت الالتزامات و الإلهاءات، و انشغل الآباء و الأمهات بمتطلبات الحياة وضروراتها. مما باعد بينهم و بين أبناءهم، وجعل المهمة أكثر مشقة وتعقيداً .
-في تشكيل صفاتكم ساهمت الكثير من العادات والتقاليد المكية في تكوينها ما أبرزها ؟
أبرز تلك العادات و التقاليد هي احترام الكبير ،وطاعته و العطف على الصغير، و الرأفة به ، كذلك أن يكون من الضرورة أن يراعي الإنسان أنه إن لم ينفع الناس من حوله فلا يضرهم .
-الأمثال الشعبية القديمة لها أثر بالغ في النفس.. ماهي الأمثال التي لازالت باقية في الذهن ؟ ولماذا ؟
من الأمثال الشعبية التي احترمها وأعيشها و أراها ماثلة أمامي على الدوام : ( اللي ماله أم حاله يغم ) ؛ لأنه و ببساطة يمر الانسان في حياته بمواقف مفرحة محزنة مضحكة مبكية صعبة حساسة .. الخ ، و يحتاج في كل تلك المواقف من يكون بجانبه مخلصاً له في القول بعيداً عن أي مصلحة خالياًمن الانتهازية صريحاً واضحاً محباً مخلصاً حريصاً صادقاً حنوناً .. الخ ، و كل تلك الصفات لا تجتمع إلا في الأم . إضافة إلى كون الأم مفتاح لكل خير .. جالبة لكل هناء و سعادة .
-الحياة الوظيفية..أين كان لشخصكم القدير أول بداياتها ؟وآخرها دكتور؟
بدأت حياتي الوظيفية بعد حصولي على البكالوريوس في أمانة العاصمة المقدسة على وظيفة مهندس مدني ، و تعلمت وكسبت في تلك الفترة الكثير و الكثير، وأهم مكاسب تلك الفترة و ذاك العمل هو معرفة الناس، وأفراد المجتمع بأطيافه المختلفة ،وتعزيز العلاقات بكافة شرائح المجتمع و خدمة الكبير،والصغير فيهم. و هنا أختلف مع من يقول أن ( البلدية بلى و أذية ! ) فبالعكس .. تعلمت فيها الكثير و أكرمني الله فيها بتقديم الكثير و خدمة الكثيرين بفضل الله ، إلى أن تركتها حيث كنت وكيلاً لبلدية العزيزية الفرعية للشؤن الفنية. و نقلت خدماتي للسلك الأكاديمي في كلية الهندسة بجامعة أم القرى . و تدرجت و شغلت العديد من المناصب و كلفت بالعديد من المهام، والأعمال داخل الجامعة وخارجها. وانتهى حاليا بي المطاف مديراً عاماً لمشروع قطار الحرمين السريع .
-شهر رمضان و شهر الحج من المواسم الدينية والاجتماعية المميزة حدثنا عنها.
كوني من أبناء حارة أجياد يجعلني أحمل العديد و العديد من الذكريات و المواقف على مدار العام، و خصوصاً في موسمي رمضان و الحج . ففي رمضان يظل الجو الرمضاني في مخيلتي من أداء الفروض في الحرم، و شراء لوازم الافطار قبل المغرب، والألعاب، والأكلات الشعبية مساءاً ، و صلاة التراويح. و نتوج تلك الأيام الجميلة باحتفالات العيد من خلال زيارات الأهل، و الأقارب، والجيران و الأرحام و إقامة ( البرزات ) التي كانت تقام في الأحياء و يتنافس فيها إبناء كل حارة ؛لإعدادها بصورة أفضل من الآخرين، و تتنافس الحارات في تقديمها وإقامتها، و تزيينها، و نقوم برفقة الكبار بالتجول بينها ، والاستمتاع بالعروض التي تقدم فيها طوال أيام العيد .
أما موسم الحج فيستنفر الجميع لخدمة الحجيج و نقوم بتهيئة المنزل؛ لتأجيره كسكن للحجاج ونتجمع مع الوالد والوالدة و نسكن مؤقتاً في ( مبيت ) في سطح المنزل طوال موسم الحج .
-تغيرت أدوار العُمد في الوقت الحاضر وأصبحت محددة..كيف كان سابقا دور العمدة في الحارة ؟
كان العمدة هو كبير الحارة ، وهو المرجع للكبير و الصغير فيها. و كان بمثابة ( حكومة مصغرة ) تطاع كلمته و ينفذ أمره .
-القامات الاجتماعية من تتذكرون منها والتي كان لها الحضور الملفت في الحارة ؟
الكثير من رجالات أجياد كانوا قامات كبيرة،و كان لهم دور بارز فيها ، أذكر في مقدمتهم بالطبع والدي-رحمه الله- و الذي كان محبا للجميع باذلاً كل ما يملك في سبيل خدمة الناس و إسعادهم إضافة إلى أعمامي و الذين كانوا يمتهنون مهنة (اللبانة)..كانوا يبيعون الحليب ومشتقاته من لبن، و قشطة،وخلافه ، كذلك العم القدير العمدة طاهر بغدادي – رحمه الله – و غيره، من رجال كان لهم صولات وجولات في الشأن المكي عامة .
-هل تتذكرون موقف شخصي مؤثر حصل لكم ولا تنسوه ؟
نعم، لا أنسى يوم وفاة والدي- رحمه الله- حيث كان رحمه الله في رحلة علاج لزراعة الكلى في الولايات المتحدة الأمريكية و توفي هناك و تلقينا الخبر و كنا أطفالاً صغاراً حينها ، وظهرت حينها و برزت صور التكافل الأسري والاجتماعي بين أبناء الحارة و عوائلها ، و وجدنا كل الحب، و الرعاية، و الاهتمام من الجيران و أهل الحارة ، بدأت بأخذنا لمنزل العم زيني بيت المال -رحمه الله- لحين التمهيد لخبر الوفاة و خشيته علينا من صدمة خبر- وفاته رحمه الله- ، و استنفر جميع أهالي الحي رجالاً و نساءاً كباراً و صغاراً لتهيئة المنزل والاستعداد لمراسم العزاء و تجهيز ما يتطلبه الوضع .
-المدرسة والمعلم والطالب ثلاثي مرتبط بالعديد من المواقف المختلفة..هل تعرفونا علي بعض منها ؟
اكتفي بالقول و الإشارة إلى أن المدرسة كانت المنزل الثاني ، و المدرس الأب الثاني، و الطالب من اليوم الأول يقوم والده بتسليمه للمدرسة مستهلاً العام الدراسي بمقولة (لكم اللحم و لنا العظم). كل ذلك اختلف الآن مما أدى الى سوء وضع العملية التعليمية برمتها ! .
-كثرت وسائل الإعلام في الوقت الحاضر ، وأصبحت مرافقة مع الناس في كل مكان.. ماهي الوسائل المتوفرة لديكم في السابق ؟وما أثرها على أفراد المجتمع آنذاك ؟
لم يتوفر من وسائل الإعلام في السابق إلا التلفزيون و الراديو (بمحدوديتهما) والصحافة المطبوعة ، و كان تأثيرها بسيطاً للغاية؛ لانشغال الناس بمتطلبات الحياة و بساطة مخرجات تلك الوسائل حينها .
-تظل للأ فراح وقفات جميلة لاتنسى في الحارة.. ماذا تتذكرون من تلك اللحظات السعيدة ؟وكيف كانت ؟
الأفراح و الزواجات كانت تقام في الحارة وأزقتها و في المنازل. فيعيش الجميع جو المناسبات ابتداءاً من تجهيز مكان ذبح الذبائح و الطبخ مروراً بتزيين الشوارع و الأزقة انتهاءا بمشاركة الجميع في أداء الواجب و ( الفزعة ). كل حسب استطاعته و تقديم الرفود ، و الهدايا.. و التي كانت في الغالب من المواشي (الخرفان) والأرزاق (رز أو سمن أو سكر أو كراتين عصير … الخ).
– الأحزان في الحياة سنة ماضية..كيف كان لأهل االحارة التخفيف من وقعها ؟
ما ذكرته سابقاً في ظرف وفاة الوالد -رحمه الله -توضيح كافي كمثال لما يقوم به أهل الحارة للتخفيف من المصاب ، فيرعى الشباب الأبناء، و يرعى النساء العائلة . ويقوم الرجال و الكبار بتهيئة المكان و التجهيزات، و يعمل الجميع على تأمين متطلبات الأسرة خصوصاً إذا كانت محدودة الدخل.. أو لم يكن فيها كباراً يتولون شأنها .
-الأحداث التأريخية الشهيرة في حياتكم والتي عايشتها..هل تتذكرونها.. وما الأبرز من تفاصيلها ؟
من أهم الأحداث التي عايشتها عن قرب هي حادثة (جهيمان) و ما رافقها من أحداث في الحرم المكي الشريف ، و أبرز ما كان فيها .. هو أن كان أخي مروان -رحمه الله – أحد الضحايا فيها .
-ماهي الألعاب الشعبية التي اشتهرت بها حارة أجياد ؟
حارة أجياد ككل الحارات المكية اشتهرت بالمزمار كلعبة للكبار ، إضافة إلى ألعاب الصغار مثل كرة القدم و السبعة حجار، و البرجون و الطيري .. الخ.
-لو كان الفقر رجلا لقتلته مقولة عظيمة لسيدنا علي رضي الله عنه..هل تروون بعضا من قصص الفقر المؤلمة ؟
الكثير و الكثير ، فكل من عاش و تربى.. و نشأ في حارة من حواري مكة القديمة لا بد وأن مر عليه من تلك القصص ما تكتب فيه مؤلفات ! .
-ماذا تودون قوله لسكان الحارة القديمة ؟
أقول ما كان يقوله الأولون (سقى الله تلك الأيام خير..).
-رسالة لأهالي الأحياء الجديدة..وماذا يعجبكم الآن فيهم؟
استحضروا النعم، واحمدوا الله على ما أنتم فيه و علموا أبناءكم ماضيكم ، وأسقوهم من دروسه قدر الاستطاعة .
-كيف تقضون أوقات فراغكم في الوقت الحالي؟
لا أبالغ إذا قلت أنه ليس عندي وقت فراغ حالياً ! ، و أسأل الله أن يشغلنا بطاعته .
-لوعادت بكم الأيام ماذا تتمنون ؟
أتمنى أن أخصص حيزا من الوقت أكبر لوالدتي و لأبنائي و عائلتي.
-بصراحة..مالذي يبكيكم في الوقت الحاضر ؟
يبكيني على الدوام عدم وجود والدي رحمه الله بيننا !، فكل عمل أقوم به، وكل إنجاز أحققه يذكرني به و أهديه لروحه ، رحمه الله رحمة واسعة و أسكنه فسيح جناته.
-ماذا تحملون من طرف جميلة في دواخلكم؟
الجميل و المبهج و الطريف كثير و كثير ، و الحمدلله على أن جعل الجميل و المبهج في حياتنا يطغى على القبيح و المسئ .
-لمن تقولون لن ننساكم؟
أمي الحبيبة، خصوصاً و هي في مرحلة المرض ، فتظل عراب كل ما نحن فيه من عز ،و خير ،و نجاح، و هي صاحبة الفضل بعد الله .
-ولمن تقولون ماكان العشم منكم ؟
لا أحد، فلا أحمل في نفسي إلا الخير ، والحب للجميع .
-التسامح والعفو من الصفات الإنسانية الراقية.. تقولون لمن سامحونا..وتقل لمن سامحناكم ؟
أقول للكل سامحوني ، و أقول للكل سامحتكم .
– كلمة أخيرة في ختام لقاء ابن مكة المكرمة.. د.بسام غلمان.
جزاكم الله خيراً و بارك فيكم ، و جعلنا جميعاً ممن يذكروا، ويحسن ذكرهم في الدنيا والآخرة .